مخالفات الإتفاق السياسي الليبي…بالجملة

 

.

.

.

مخالفات الإتفاق السياسي الليبي…بالجملة

Libyan Political Agreement-LPA Cover Page 17 December 2015'' ARABIC UNSMIL

Libyan Political Agreement-LPA Cover Page 17 December 2015” ARABIC UNSMIL

ما تمر به ليبيا اليوم من فوضى وتخبط وسفك دماء وإسناد الأمر لغير المؤهل على إدارة شؤونه وتنفيذه، وتعالي أصوات القبليين والفيدرالين وكذلك الإنفصاليين في الوقت الذي كثر فيه دواعش المال العام، يعود سببها الرئيسي إلى طبيعة النظام الشمولي الجاهل الذي تربع على عرشه القذافي وأعوانه من المجرمين الذين عادوا إلى ليبيا مؤخرآ مثل “اللي مش طيب ولاهو صافي” و”معتوق” و”بوكراع” الذين يحلمون بعودة الجماهيرية الثانية.  ولكن علينا أن لا ننسى أن مصالح الدول الأجنبية، وخاصة العربية، إستطاعت أن تشتري ذمم الكثير من الأفراد والأحزاب والتحالفات التي دخلت فيما بينها في حروب سياسية وعسكرية الغرض منها أطماع شخصية خسيسة وخدمة لتلك الدول التي جندتهم لتحقيق مصالحها الإقتصادية والإستراتيجية في ليبيا الجديدة…غياب حس الإنتماء إلى الوطن والإخلاص لخدمة أهله الذين عانوا لزمن طويل، هو ما أوصلنا إلى ما نحن فيه، تكالبوا على المال العام وسفكوا الدماء أفرادآ وجماعات، ولو أنهم إتقوا الله في أهلهم لكنا في أحسن حال

ما يجري الأن من تخبطات سياسية بدأت في صور مختلفة وأفلام متتابعة…قصة عدادات البترول التي أثارها بعض أعضاء المؤتمر العام أمثال عيظة التواتي وهاجر القائد وتبناها الجضران بالإستيلاء على موانئ النفط…جهل أعضاء مجلس النواب وعنادهم وعدم إحترامهم لنصوص الإعلان الدستوري ورفضهم عقد جلسات إستلام أمور الدولة من المؤتمر الوطني…عودة المؤتمر الوطني للمسرح السياسي وبداية إزدواجية السلطتين التشريعية والتنفيذية…إنقلاب خليفة حفتر وبعد فشل إنقلابه أعلن بداية عملية ما سماها “الكرامة” معلنآ الحرب على الجميع وبدون أن يميز بين هذاوذاك، أضف إلى ذلك أن تاريخ حفتر العسكري والدموي كان عائقآ في إقناع من يحمل السلاح من التنظيمات التي شاركت في التخلص من القذافي بتسليم سلاحهم للقوات المسلحة الليبية التي لا وجود لها حتي وقتنا هذا…

 

دور بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا

 ويبدوا أن الأمم المتحدة قد نست دورها الأممي في إرساء دعائم السلم والإستقرار في العالم، فبدلآ من أن تقف في وجه من يفسدون ويعرقلون بناء ليبيا الجديدة، نجدها تفضي الشرعية وتزكي نتائج الأحداث وتنهج منهجها بإصباغ الشرعية مع كل تطور في الأحداث. وبداية الشؤوم تعود إلى الدور الذي لعبه مبعوث الأمم المتحدة السابق بيرناردينو ليون الذي كان همه مصالحه الشخصية ومستقبله الوظيفي بعد إنتهاء مهمته في ليبيا، فنفذ أوامر أسياده بتزيكة من يوالونهم وإبعاد من يعارضونهم من الليبيين…وبذلك إستمرت التطورات على المسرحين السياسي والعسكري ووصلنا ألى ما نحن فيه الأن…حكومة تتبع لمجلس النواب…حكومة تتبع المؤتمر الوطني…مجلس نواب إنتهت ولايته منذ 20 أبريل 2016…مؤتمر وطني إنتهت ولايته منذ زمن بعيد…مجلس رأسي يصدر أوامره من قاعدة عسكرية…قائد عام للقوات المسلحة العربية، كما سماها هو، يصول ويجول في المنطقة الشرقية، وأصبح قذافي أخر…ميليشيات عسكرية…داعش…متطرفين…أحزاب…تكتلات…شخص مجنون يحمل عكازة ويهش بها على أعضاء البرلمان وكأنهم قطيعه…فوضى

ومع ذلك إتفق الليبيون، والبعض منهم لم يكن يمثل إلا نفسه، على توقيع “الإتفاق السياسي الليبي” بمدينة الصخيرات بالمغرب تحت رعاية بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا.  ورغم بساطة لغة الإتفاق التي يستطيع طالب المرحلة الثانوية قرائتها وفهمها في صورتها التي كانت في ذهن من كتب نصوص الإتفاق، إلا أن هناك من يفسر الإتفاق على طريقته من السياسيين ومجلس النواب وكذلك المحامين…الجميع خالف ما جاء في نصوص الإتفاق السياسي

 

تفسير الدكتور السويحلي للإتفاق السياسي

الدكتور عبدالرحمن السويحلي، الذي فاز بأحد مقاعد المؤتمر الوطني العام سنة 2012، وبعد ذلك خاض إنتخابات مجلس النواب التي عقدت بتاريخ 25 يونيو 2014 وفاز مرة أخرى وأصبح عضوآ في مجلس النواب، ولكنه قاطع جلساته في طبرق…يعتبر السيد السويحلي اليوم ” رئيساً لمجلس الدولة في ليبيا”، أحد المؤسسات السياسية المنبثقة عن الإتفاق السياسي… فهل يحق له ذلك وهل هذا خرق للإتفاق السياسي ؟

كما قلت سابقآ بأن لغة الإتفاق السياسي الليبي واضحة ولا تتطلب كثيرآ من العناء لفهمها.  الفقرة (1) من المادة (1) من ملحق (3) من الإتفاق السياسي تنص   على أن يتكون مجلس الدولة من “عدد مائة وأربع وثلثون (134) عضوا هم أعضاء المؤتمر الوطني العام صحيحي العضوية حتى توقيع هذا الإتفاق”.  وبما أن الدكتور السويحلي يعتبر عضوآ في مجلس النواب وأن عضويته في المؤتمر الوطني العام إنتهت عند فوزه بمقعده في مجلس النواب، لذلك لا تعتبر عضويته في المؤتمر الوطني العام صحيحة عند التوقيع على الإتفاق السياسي…فليس له الحق أن يكون عضوآ في مجلس الدولة ناهيك عن رئاسته لذلك المجلس…الغريب في الأمر أن الذين حضروا جلسة إنعقاد مجلس الدولة، خالفوا هم كذلك المادة (3) من ملحق (3) من الإتفاق السياسي والتي نصت على أن “يعقد مجلس الدولة اجتماعه الأول في غضون 10 أيام من التصويت على تعديل الإعلان الدستوري”…والإعلان الدستوري لم يعدل بعد نظرآ لعدم موافقة مجلس النواب على الإتفاق السياسي…رغم أن هناك من يقول عكس ذلك

,

دور مجلس النواب في تعطيل تطبيق الإتفاق السياسي

المخالف الثاني لما جاء في الإتفاق السياسي الليبي هو مجلس النواب، الذي إدعى بأنه وافق على الإتفاق السياسي، ولكن ما أدلى به أعضاء المجلس من إعتمادهم للإتفاق السياسي لا يعتبر صحيحآ لإصرارهم على إلغاء المادة (8) من الأحكام الإضافية، نظرآ لأن المادة (12) من الأحكام الإضافية تنص على وجوب “إعتماد وإقرار (الإتفاق السياسي الليبي) كاملآ وتوقيعه…” لذلك لايجوز التعديل في أي من مواد الإتفاق السياسي الليبي سواء بإلغائها أو تعديلها

ARTICLE 8

ARTICLE 8

وبذلك تعتبر المناصب العسكرية والمدنية والأمنية العليا شاغرة نظرآ لعدم تثبيت  شاغليها وعدم إعتماد تعيينهم من مجلس رئاسة الوزراء خلال 20 يومآ من تاريخ التوقيع على الإتفاق السياسي الليبي حيث انتهت هذه المدة منذ أشهر

وبالأمس، 21 أبريل 2016، إجتمع أعضاء من مجلس النواب مؤيدين لحكومة الوفاق الوطني، ومنحوا الثقة لحكومة الوفاق الوطني وفقا للتشكيلة المقدمة من المجلس الرئاسي، ومؤكدين على حذف المادة رقم (8) من الأحكام الإضافية من الإتفاق السياسي…مرة أخرى إتخاذ قرار أخر مخالف لنص المادة (12) من الأحكام الإضافية والتي تنص على وجوب إعتماد وإقرار (الإتفاق السياسي الليبي) كاملآ وتوقيعه

ARTICLE 12

ARTICLE 12

 

تفسيرات وتساؤلات المحامية عزة المقهور

تعتبر المحامية عزة المقهور من أشهر المحامين الذين تطرقوا إلى التعليق وتفسير مواد الإتفاق السياسي، ولكنها وللأسف لعبت دورآ مماثلآ لدور بعثة الأمم المتحدة وذلك بإصباغ الشرعية على قرارات وأحداث خالفة صراحة الإتفاق السياسي الليبي، فترى المحامية عزة أن مجلس النواب وقع على الاتفاق وصادق عليه في جلسته المنعقدة في يناير الماضي”، ولو أنها قرأت المادة (12) من الأحكام الإضافية، لإكتشفت أن الإتفاق السياسي يجب إعتماده وإقراره كاملآ…بدون إلغاء أو تعديل، وكل تعديل او ألغاء يعتبر باطلآ ولا يعتبر موافقة وتصديق على الإتفاق السياسي…والجميع يدري بأن المشكلة الرئيسية في تنفيذ الإتفاق السياسي هي المادة (8) من الأحكام الإضافية، فهناك من يريد إلغائها وبذلك يمكث السيد حفتر في منصبه، وهناك من يفسر الإتفاق، وبطريقة صحيحة، ويصر على عدم إلغائها وبأن السيد حفتر خارج العملية العسكرية وعليه أن يجلس جانبآ

وهذه ليست المرة الأولى التي تكتب فيها المحامية المقهور عن المسرح السياسي الليبي، فلقد سبق لها أن أربكة المشهد السياسي الليبي بتفسيراتها الملتوية وإثارتها لأسئلة ألبستها بمصطلحات قانونية لتفضي نوعآ من التفوق العلمي والتحليل القانوني إلى ما تطرقت إليه، فمثلآ أثارت المحامية المقهور أسئلة كثيرة منها أن الاتفاق لم يبين صراحة الجهة التي تلتزم بإدخاله حيز التنفيذ ولذلك إستعانت المحامية المقهور بالمادة (66) من الإتفاق السياسي، لتبرير أرائها، والتي تنص على “أنه وفقاً لقواعد تفسیر النصوص القانونیة، یتعین تفسیر كافة المواد الواردة في الاتفاق وملاحقه  كحزمة واحدة بما یكفل الوحدة فیما بینھا”. وبدورنا نقول للمحامية المقهور أنه ليس هناك سبب للخوض في قواعد تفسير النصوص لفهم وتفسير نصوص الإتفاق، نظرآ وكما قلنا مسبق، أن مفردات وجمل الإتفاق السياسي بسيطة وواضحة، ولا تستحق عناء التفسير، ولا يلجأ  القضاة إلى نظريات تفسير القوانين إلا في حالات غموض النص وصعوبة فهم مقصده، فعند ذلك يعود القاضي إلى الكشف عن نوايا المشرعين والمتعاقدين وملابسات كتابة النص الغامض، أما أن نحاول توظيف هذه النظريات على نصوص واضحة فهذا خطأً قانونيآ فادحآ

ومحاولة منا لشق طريقآ لفهم الإتفاق السياسي وسط العاصفة القانونية التي إختلقتها المحامية المقهور، وبناء على ما تقدم ولتوضيح طبيعة الإتفاق السياسي وما يجب أن يكون عليه الوضع السياسي في ليبيا، نقول التالي

أولا: الإتفاق السياسي له صفة قانونية أعلى من الإعلان الدستوري، وفعليآ يعتبر الأتفاق السياسي هو الدستور الحالي، حتى صدور دستور علي الترهوني ورفاقه، وفي حالة مخالفة الإعلان الدستوري للإتفاق السياسي، يعدل الإعلان الدستوري، وعليه يمكن القول بأنه ليست هناك أزمة دستورية كما أشارت إليها المحامية المقهور نظرآ لعدم وجود دستور، والإعلان الدستوري لم يرتقي لذلك المستوى، والمعروف أنه في حالة إكتمال دستور دولة ما، فيجب أن تكون جميع نصوص القوانين الأخرى والإتفاقيات في إنسجام مع الدستور، أما سبب الأزمة السياسية التي تمر بها ليبيا الأن فهي أن القوانين والإتفاقيات ولدت قبل أن يولد الدستور

ثانيآ: كل المؤسسات السياسية لها دور واضح وهناك مدد زمنية محددة يجب أن تأخذ  أثنائها بعض الإجراءات مثل ما جاء في المادة (8) من الأحكام الإضافية، والمتعلقة بشاغري المناصب العسكرية والمدنية والأمنية العليا

ثالثآ: يجب على مجلس النواب إعتماد الإتفاق السياسي كم هو وبدون تعديل كما نصت المادة (12) من الأحكام الإضافية، وبذلك لا يجوز إلغاء المادة (8) من الأحكام الإضافية

رابعآ: ليس هناك أي دور للمؤتمر الوطني العام، وتتحول تسميته إلى مجلس الدولة ومكون من (134) عضوا هم أعضاء المؤتمر الوطني العام صحيحي العضوية عند وقت التوقيع على الإتفاق السياسي. لذلك نقول للمحامية المقهور بأن من يعدل الإعلان الدستوري، إذا كانت هناك حاجة لذلك، هو مجلس النواب وحده، بشرط أن لا يمس التعديل المنشود “الاتفاق أو أحد المؤسسات المنبثقة عنه بشكل مباشر أو غير مباشر”، وفي هذه الحالة “يلتزم مجلس النواب ومجلس الدولة بالتوافق فيما بينهم على صيغة هذا التعديل على أن يتم إقراره نهائياً، دون تعديل، من مجلس النواب وفقاً للآلية الواردة بالإعلان الدستوري”، كما أشارت المادة (12) من الأحكام الإضافية

خامسآ: لا يجوز تعديل الإتفاق السياسي إلا إذا كانت هناك حاجة لتعديل الإعلان الدستوري ويأثر ذلك التعديل على “الاتفاق أو أحد المؤسسات المنبثقة عنه بشكل مباشر أو غير مباشر”، أي أن تعديل الإتفاق السياسي يكون أثر جانبي لتعديل الإعلان الدستوري، وبمعنى أخر لايجوز تعديل الإعلان الدستوري لغرض تعديل الإتفاق السياسي

سادسآ: لايعتبر نقصآ في الإتفاق السياسي مثل الذي وصفته المحامية المقهور بأنه” لم يبين صراحة الجهة التي تلتزم بإدخاله حيز التنفيذ”، نظرآ لأن الإتفاق السياسي عبارة عن إجراءات يقوم بها مجلس النواب والمجلس الرأسي وكذلك مجلس الدولة، كل على حده و بطريقة متوازية وخلال مدد زمنية معينة، ولو أن كل هذه المؤسسات، خصوصآ مجلس النواب، قامت بمهامها بالطريقة المطلوبة، لنفذ الإتفاق السياسي خلال الأشهر الماضية

وإذا كان هذا هو حالنا…الكل يفسر من عنده، فأقترح أن يلغى الإتفاق السياسي كلية، ويغرب الجميع عن وجه الشعب الليبي، ولنأتي بناس جدد ومؤسسات جديدة يمنع دخولها كل من شارك في الحياة السياسية منذ 1 سبتمبر 1969 وحتى يومنا هذا…وما تنسوش أتلزو بوعكوز… فرج آدم العبيدي

 

Parts of this op/ed article is reproduced in accordance with Section 107 of title 17 of the Copyright Law of the United States relating to fair-use and is for the purposes of criticism, comment, news reporting, teaching, scholarship, and research.

 

Leave a comment