ليبيا: ذكرى مقتل “علي بابا” و ولادة “الأربعون حرامي”…أو أكثر

 

ليبيا: ذكرى مقتل “علي بابا” و ولادة “الأربعون حرامي”…أو أكثر

 

مرت منذ أيام الذكرى الثالثة لمقتل “علي بابا الليبي”، وإعتقد الليبيون بأن عهد الظلم ذهب وبدون رجعة، وأن الوقت حان لتحقيق أحلام الإطفال وما تبقى من أماني الذين بلغوا من العمر عتيا. ولكن ما زرعه علي بابا طوال سنوات ظلمه من قبلية نتنة وقلبه لمفاهيم الأخلاق بخلق نظام غريب شجع ضعاف النفوس والمجرمين على ظلم الأخرين والسرقة المبررة بأقوال من كتابه الأغبر، حصدت ثماره ليبيا بعد مقتل علي بابا.

مدن ليبيا المتحضرة في فترة الخمسينات والستينات لم تعرف التعصب القبلي، حيث كان ساكني أهم مدنها وأكبرها، طرابلس وبنغازي ودرنة، ترجع أصولهم إلى قبائل ومناطق ليبيا كلها. ففي كل من بنغازي و درنة هناك عائلات تسمى “المزيني” و “الحاسي” و “التاجوري” و “المصراتي” و “الغرياني” و “المنصوري” و “البرعصي” و “الجبالي” والتي كنا نعتبر إسمها هو إسم لعائلة رغم أنها تحمل إسمآ قبليآ أو جهويآ إلا أنها لم تعتبر على أنها تمثل قبيلة أو جهة ما…كان مجرد إسم لعائلة فقط، ولم نفكر بأن حدوث سوء تفاهم مع عائلة “الحاسي” التي كانت تقطن شارعنا سينتهي بتجريد نصف مدينة شحات على شارعنا.

مات علي بابا وظهرت القبلية أقوى من ما كانت عليه أثناء مغامرات علي بابا وهذا ما كان يخطط له في حالة إنتهاء سيطرته على ليبيا، أصبح هناك حكماء ومشايخ يجتمعون ويقررون، وبذلك يثيرون نعرة القبلية…الدول لا تبنى بالقبائل ولكن تبنى بالأفراد المخلصين لله والوطن…ولو كانت القبيلة تنفع في بناء الدولة، لنفعت قبائل “الهنود الحمر” الذين أبادهم الرجل الأبيض بتفوق علمه وبنى على أنقاضهم أمريكا اليوم.

قتل علي بابا لم ينهي الفساد، بل زاد عدد أصحاب النفوس المريضة والتي تأثرت بتعاليم على بابا البعيدة عن الدين والفضيلة ولم تكترث بحساب الله وعقابه الذي قد يكون في الدنيا قبل الأخرة ، عمليات سطو على البنوك فاقت ما سبق من روايات وأفلام عالمية عن السطو…”جون ديلنجر” سارق بنوك شيكاغو يعتبر هاويآ مقارنة مع “الحرامية الجدد” الذين نهبوا بنوك ليبيا…سرقة المال العام المؤتمن عليه…إستغلال المناصب العامة…إسناد المناصب إلى غير أهلها.

ولكن المصيبة الكبرى التي واجهتها ليبيا بعد مقتل علي بابا هي فشل “النخبة” الليبية في تسيير شئون العباد…خرج الليبيون وأدلو بأصواتهم معلنيين ميلاد فجر جديد لليبيا تحت لواء “المؤتمر الوطني العام”، وما بدأت إجتماعات المؤتمر حتى بدأت المصالح الشخصية والحزبية تسير دفة سفينة ليبيا في بحر غير معروفة تظاريسه…محمود جبريل تربع على كتلة “تحالف القوى الوطنية” والتي لم يربط أعضائها بعضهم ببعض سوى صورة محمود جبريل على إعلانات الحملة الإنتخابية…معضهم لم يعرف الأخر إلا عندما بدأت جلسات المؤتمر…وقابلهم من الناحية الأخرى حزب “العدالة والبناء” برئاسة محمد صوان…الجميع مسؤولآ عن ضياع الوطن…تنازعوا من أجل مصالح جماعاتهم وأحزابهم وتكتلاتهم…

تربع فوق هذه الفوضى واللامبالاة حكومات متتالية ميزتها الفشل والجهل بأمور الحكم…إلتقيت بالدكتور عوض البرعصي (نائب رئيس الوزراء وقت حكم على زيدان) كنت وقتها أجدد جواز سفري في القنصلية الليبية بإحدى الدول العربية وصادف حضوري إلى القنصلية قيام القنصلية بحفل لبعض الليبيين، وصادف أن جلست على نفس الطاولة التي جلس عليها السيد البرعصي ، وبعد التعرف سألته عن سبب إهمال المدن وخصوصآ مدن الشرق ومن بينها درنة… فكان رد الدكتور “والله درنة مخطوفة” كان ذلك في بداية عام 2013…باهي يا سي الدكتور ألا يفترض أن تقوم الدولة “بتحرير المخطوف” طالما لازال الوقت مبكرآ لملاحقة “الخاطف”…ثم قلت له بأنني لست راضيآ عن تشكيل الأحزاب في هذه الفترة التي لا يعرف الكثيرون من أعضائها معنى “الحزب” ناهيك عن غياب الإطار الفكري/الثقافي والقانوني لتأسيس الأحزاب…رد على الدكتور “بالعكس أنه من الأسهل التفاهم مع الأحزاب بدلآ من الأشخاص”…وهذه هي النتيجة يا سي الدكتور…حرب أهلية عقائدية.

النخبة نسوا الأم التي أستشهد إبنها من أجل تحقيق أحلام الأخرين…ونسوا تلك الفتاة التي أغتصبت من أجل سلامة علي بابا…ثم جاء بعد ذلك “البرلمان”…ويا ليته لم يأتي…

لقد إنطبق على أعضاء المؤتمر والحكومات المتتالية والبرلمان، إلا القليل منهم، قوله تعالى:

“تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ” (الحشر 14).

هذا لايعني أن ليبيا كانت أفضل حالآ تحت عباءة القذافي المعفنة، ولكنها تحتاج إلى وقت لكي تعيد مجدها ويكف “الحرامية الجدد” (والذين قد يكون جلهم من المتعاطفين مع القذافي) عن إرتكاب أفعالهم الشنيعة…ما حدث في ليبيا ثورة حقيقية وعلينا الإنتظار حتي ينقشع الغبار وتوضح الرؤيأ…وإنها لقريبة بإذنه تعالى…

في مصر هناك أنواع عدة من “الحرامية” فهناك “حرامي الحلل” الذي يسرق “طناجر الكوجينة” وهناك “حرامي الجزم” الذي يسرق “الكنادر” من حرم المسجد، أما في ليبيا فعلينا أن نسميهم إما “حرامي الأمل”، أو “حرامي الحلم”…ونارك ولاعة يا بلادي

 

 

Parts of this op/ed article is reproduced in accordance with Section 107 of title 17 of the Copyright Law of the United States relating to fair-use and is for the purposes of criticism, comment, news reporting, teaching, scholarship, and research.

Leave a comment